دينا محمود (لندن)

كشفت صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية واسعة الانتشار النقاب عن أن قطر قوضت مشروعاً كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يسعى من خلاله لتصنيع أول مقاتلةٍ حربيةٍ محلية الصنع، وذلك بالتعاون مع مجموعة «رولز رويس بي إل سي» البريطانية، وهي ثالث أكبر شركةٍ منتجةٍ لمحركات الطائرات في العالم.
وأشارت الصحيفة إلى أن المجموعة تراجعت عن المشاركة في المشروع -الذي كان يستهدف تطوير محركٍ للجيل الخامس من مقاتلةٍ تركيةٍ من طراز «تي إف - إكس»- بعد خلافاتٍ نشبت بينها وبين الجانب التركي، على خلفية محاولة أنقرة إدخال وزارة الدفاع القطرية شريكاً فيه، عبر شركةٍ تمتلك الوزارة حصةً كبيرةً من أسهمها.
وكانت «رولز رويس» تسعى للتقدم بعطاءٍ لتطوير هذا المحرك بالتعاون مع مجموعة «كاليه» التركية للصناعات، ولكن المجموعة البريطانية قررت التراجع عن المضي قدماً على هذا الطريق، بعد الفشل في التوصل إلى حلولٍ وسط للقضايا العالقة مع الأتراك، والتي شملت كذلك «خلافاً حول مسألة المشاركة في حقوق الملكية الفكرية» المتعلقة بالمحرك المزمع تطويره.
ويشكل هذا القرار انتكاسةً كبيرةً للمشروع الذي قالت الصحيفة البريطانية إن الرئيس التركي يسعى من خلاله «لتطوير صناعةٍ دفاعيةٍ وطنية، لإمداد ثاني أكبر جيش في حلف شمال الأطلسي الناتو باحتياجاته، وذلك بهدف تعزيز الاقتصاد، وتقليص اعتماد البلاد على الدول الغربية للحصول على المعدات الدفاعية».
وفيما يُبرز حجم خسائر أنقرة جراء قرار «رولز رويس» التراجع عن التعاون في مشروعها المتعلق بتصنيع هذه المقاتلة محلياً، أشارت «فايننشال تايمز» إلى أن «تي إف-إكس» تمثل «جوهرة التاج» لذلك المشروع، إلى حد أن أردوغان كان يريد الانتهاء من نموذجٍ تجريبيٍ منها لعرضه «في الاحتفالات الضخمة المقررة في الذكرى المئوية لإعلان الجمهورية التركية عام 2023»، وهو ما حدا بأنقرة إلى الانخراط في مفاوضاتٍ مطولةٍ مع «رولز رويس» منذ سنوات بشأن «خطةٍ لتبادل الخبرات وحقوق الملكية الفكرية» من أجل تصنيع محرك تلك المقاتلة.
لكن هذه المحادثات المكثفة انهارت العام الماضي، عندما كشفت الحكومة التركية عن رغبتها في إدخال شركة «بي إم سي» للصناعات العسكرية شريكاً في المشروع، رغم أن وزارة الدفاع القطرية من بين أكبر حملة الأسهم في هذه الشركة، جنباً إلى جنب مع إيكام سانجاك، وهو رجل أعمالٍ معروفٍ بصلاته الوثيقة بأردوغان.
ونقلت «فايننشال تايمز» عن مصادر مطلعة على النقاشات الخاصة بالصفقة قولها إن المجموعة البريطانية الشهيرة لم تجد بديلاً في نهاية المطاف عن الانسحاب من المشروع برمته، في مواجهة هذه المساعي التركية. وأشارت المصادر إلى صعوبة إعادة مسؤولي المجموعة النظر في هذا القرار، قائلةً إن استئناف المفاوضات مع أنقرة «يحتاج من تركيا العودة (للمحادثات) بمستوى رفيعٍ للغاية من المسؤولين».
وأفادت الصحيفة البريطانية المرموقة في تقريرٍ لها بأن «رولز رويس» أوضحت «مراراً وتكراراً أنها غير راغبةٍ في مشاركة حقوق الملكية الفكرية الخاصة بها»، مع الشركة التركية التي تدخل قطر شريكاً فيها. وقال التقرير إن «كل الجهود الرامية لإيجاد حلٍ مقبولٍ من الطرفين، قد فشلت».
وحملت «فايننشال تايمز» وسائل الإعلام التركية جانباً من المسؤولية عن تفاقم الخلافات، بعدما أشارت إلى أن هذه الوسائل قالت أكثر من مرة إن أنقرة «تعمل على إقناع مجموعاتٍ صناعيةٍ أخرى (بالدخول في الصفقة)، بما في ذلك مجموعة جنرال إليكتريك الأميركية».
وفي إشارةٍ واضحةٍ إلى أن مخاوف «رولز رويس» من تسرب التقنيات العسكرية الخاصة بها إلى قطر شكلت السبب الأهم لتراجعها عن المشاركة في المشروع التركي، قالت الصحيفة البريطانية إن عثمان دور الرئيس التنفيذي لـ«بي إم سي باور» -وهي شركةٌ تابعةٌ لـ«بي إم سي» تشارك في جهود تطوير الجيل الخامس من المقاتلة التركية- سبق أن أكد لها العام الماضي أن «كل حقوق الملكية الفكرية التي سيتم الحصول عليها في إطار هذا المشروع ستبقى في تركيا»، وستظل في حوزة حكومتها وليس أي طرفٍ آخر.
غير أن هذه التطمينات لم تكن كافيةً على ما يبدو لتهدئة خواطر مسؤولي «رولز رويس»، الذين نقلت «فايننشال تايمز» عنهم القول إن المجموعة «قلصت اهتمامها» بالمشروع بدرجةٍ كبيرةٍ، وإنها أسندت مهام ومشروعاتٍ أخرى إلى مسؤوليها ممن كانوا موكلين بالملف الخاص به.
وفي هذا الإطار، قال وارن إيست المدير التنفيذي للمجموعة الصناعية البريطانية إنه كان لدى مجموعته «عددٌ وافٍ من الشروط» اللازم تلبيتها لتمكين «تركيا من تطوير محركٍ يتم إنتاجه محلياً» للمقاتلة التي يجري الحديث عنها، مُضيفاً بالقول: «لقد قدمنا ما نؤمن بأنه العرض الأفضل في ظل الظروف المحيطة بهذا الأمر».
وفي مؤشرٍ على تشدد موقف «رولز رويس» حيال محاولات أنقرة إدخال شريكٍ قطريٍ في الصفقة ولو بشكلٍ غير مباشر، نقلت «فايننشال تايمز» عن المسؤول البارز في المجموعة قوله: «الأمر يعود (للحكومة التركية) على صعيد ما إذا كانوا لا يريدون العمل مع رولز رويس أو يرغبون في إيجاد حلٍ آخر»، مُشدداً بلهجةٍ جازمةٍ على أن مجموعته «غير مستعدةٍ للقيام بمزيدٍ من الخطوات على هذا الصعيد».
وألمح وارن إيست إلى أن رفض مجموعته التعاون مع الجانب التركي قاصرٌ على المشروع الخاص بالمقاتلة «تي إف-إكس» بسبب التخوف من وجود قطر شريكاً فيه، قائلاً إن أنقرة «تظل سوقاً مهماً للنمو بالنسبة للمجموعة» وإن هناك محادثاتٍ جاريةً بين الطرفين بشأن «عددٍ من الفرص الخاصة» بإبرام عقودٍ تخص معداتٍ عسكرية.
ويأتي اتخاذ «رولز رويس» هذه الخطوة، على الرغم من اهتمام الحكومة البريطانية بإتمام الصفقة في ظل محاولاتها الاستفادة -كما قالت «فايننشال تايمز»- من العلاقات المتوترة بين تركيا من جهة والولايات المتحدة والكثير من دول الاتحاد الأوروبي من جهةٍ أخرى.
وأشارت الصحيفة إلى أن حكومة رئيسة الوزراء تيريزا ماي «كرست جهوداً هائلةً لضمان اضطلاع قطاع صناعات الطيران البريطاني بدورٍ مركزيٍ في المشروع (التركي)، وهو ما سيجعل فقدان عقد تصنيع المحرك لصالح أحد منافسي رولز رويس على الساحة الدولية أمراً مخيباً للآمال» بالنسبة للندن.